HOME
  • Timeline in history
    • Timeline - Eritrea
    • TIMELINE - MANITOBA
  • Author Resources
    • Articles
    • Author Reflections
  • عربي
    • خواطر المؤلف
    • مقالات
    • محطات تاريخية إريترية

المقالات

!"إريتريا بعيون "أدى هنا

5/3/2025

0 Comments

 
Picture
بقلم: إسماعيل إبراهيم المختار 
ولدت في مدينة أسمرة، ونشأت في ربوعها الجميلة، وأحيائها البهية. كانت أسمرة في تلك الأيام مدينة زاخرة، متعددة الثقافات، والأدبيات، والأديان. أصدقائي في الحي، وزملائي في المدرسة، ورفقائي في فريق كرة القدم، وجيران الحي، كانوا من كل طيف، ولون، ووجهة. فكان منهم اليمنيون (الحضارم)، والإيطاليون، والمهجنون (الحنفتس)، والأمهريون، واليونانيون، والهنود (المعروفون باسم البينان)؛ بالإضافة إلى المسلمين، والمسيحيين بطوائفهم المختلفة، واليهود، والهندوس، وشهود يهوه. حين أسير في شوارع الحي، كانت تعترضني معالم أسمرة بمسجدها الأثير - مسجد الخلفاء الراشدين -، وكنيسة الأقباط العتيقة - إندا ماريم -، وكاتدرائية الكاثوليك الفارهة، وكنيس اليهود الذي أغلق بعد هجرة اليهود إلى إسرائيل، ومدرسة بوتيغوا الإيطالية، ومدرسة الجالية العربية، والنادي اليوناني، والمكتبة الأمريكية وغيرها. حين أستيقظ في الصباح، كانت أصوات أذان الجوامع، وأجراس الكنائس أول ما يطرق سمعي؛ ومشاهد أصحاب العمائم البيضاء من رواد صلاة الفجر، وأصحاب القبعات من رواد قداس الكنيسة أول ما تقع عليه عيني. منذ نعومة أظفاري نشأت في جو متعدد الثقافات، جو يعبق بنسيم التسامح، والتعايش السلمي، والاحترام المتبادل.



كان من بين سكان حيّنا سيدة مسيحية، مسنّة، ومتدينة؛ تعد نموذجًا للمسيحي المتدين، والمتسامح في آن واحد. كانت هذه السيدة تسكن في البيت المجاور لنا. حين أستيقظ في الصباح الباكر، كنت أراها في وشاحها الأبيض، وهي تسير بخطى وئيدة، عائدة إلى منزلها بعد حضورها قداس الكنيسة الصباحي. كانت تخاطبني بصيغة الود، وتقول لي ولدي "ودي"، وكنا نخاطبها بصيغة الاحترام ونقول أمنا "هنا" "أدى هنا". كانت أسرتي المسلمة أسرة علم ودين، تعتز بإسلامها وتلتزم بهديه، ومع هذا فإن التزامنا الديني المختلف لم يمنعنا من حسن الجوار، والعيش المشترك، والتقدير المتبادل. في أيام العيد، كان أول ما تحرص عليه أمي إرسال حلويات العيد إلى "أدى هنا" وأسرتها. وبالمقابل، كانت ترسل "أدى هنا" لنا الحلويات في عيد الميلاد القبطي (ليدت). وفي المناسبات الاجتماعية، كان هناك حرص متبادل على التقيد بالضوابط الغذائية للطرفين. في الأفراح والأتراح، كانت "أدى هنا" أول من يطرق بابنا لعرض المساعدة، وتقديم العون. رأيت في هذه السيدة المسيحية نزاهة في التعامل، وتسامحًا في التواصل، وأصالة في الخلق، وكنا بذلك في خير جوار، وأحسن تواصل.
من مظاهر الرقي الاجتماعي في إريتريا أن هذه العلاقة التي كانت بيننا لم تكن استثناء، بل كانت قاعدة مطردة في كثير من أحياء أسمرة وخارجها في إريتريا. طلب مني ذات مرة زميلي في الحي – ميكائيل المسيحي – أن أصحبه بالدراجة إلى قرية في ضواحي أسمرة – تعرف بعدي قواعداد – لزيارة كنيستها، فصحبته، وانتظرته خارج الكنيسة. وفي طريق عودتنا، حان وقت صلاة العصر فاتجهنا إلى مسجد عمر بن عبد العزيز – بحي قزابندا – وبقي صاحبي خارج المسجد في انتظاري حتى عدنا سويا إلى حينا. هذه هي أسمرة وإريتريا التي نشأت في ربوعها، وترعرعت في جنباتها. بلد يعيش فيه المسيحيون، والمسلمون، والأقليات الأخرى، في سلام ووئام. ورغم الفوارق العقدية والثقافية، يعامل بعضهم البعض بالتقدير والاحترام المتبادل.
تعلمت في ربوع إريتريا الاعتزاز بإسلامي وعقيدتي، وتعلمت فيها أيضا احترام الآخرين والتسامح معهم. الأريتريون – مسيحيهم ومسلمهم – حريصون على دينهم، وما زادهم هذا الحرص إلا تقديرا لجيرانهم وتعزيزا لعيشهم المشترك. التنوع والتسامح في مجتمع إريتريا قيم أصيلة، وقواعد إنسانية متوارثة. وعلى الرغم من أن نظم الحكم التي تعاقبت على إريتريا كانت في أغلب أحوالها تعتمد سياسة فرق تسد، وسياسة الإقصاء، والتمييز الطائفي؛ إلا أن رجل الشارع العامي – بجملته – ظل محافظا على قيم التسامح والعيش المشترك. ولقد كانت هناك أحايين – ولازالت – ظهر فيها انفصام واضح بين شرائح من النخب الإريترية ومتصدريها. ولكن عامة الإريتريين الذين كانوا على بساطتهم أكثر فهما واستيعابا لقواعد الانسجام الاجتماعي الإريتري وقيم العيش المشترك، حافظوا على هذه القيم في واقعهم المعيشي. وقد أكدت لي دراساتي الشرعية – لاحقا – أن قيم التسامح والعيش المشترك المتعارف عليها في إريتريا تتناسق مع المبادئ الشرعية المبنية على الآية الجامعة في قوله تعالى: "لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين".
وعلى غرار الكثير من الإريتريين، اضطررت إلى مغادرة إريتريا والعيش في أماكن أخرى تفتقر إلى التنوع وتعده مشكلة؛ أماكن يصعب فيها على المختلفين التعايش مع بعضهم البعض، أماكن فقدت فيها حريتي في التعبير العفوي عن هويتي. وبعد ترحال طويل، استقر بي المقام أخيراً في بلد يرحب بالتعددية الثقافية – كندا – ويعتمدها كمبدأ سياسي مقنّن. استقراري في هذا البلد أعاد لي حرية التعبير العفوي عن هويتي، التي تتوافق مع قيم التعدد التي كانت سائدة في مسقط رأسي. ورغم أن إريتريا لا تمتلك وثيقة رسمية للتعددية الثقافية – مثل كندا – إلا أن قيم التعدد الثقافي جزء من نسيجها الاجتماعي وقيم تعايشها اليومي. العديد من الإريتريين الذين نشأوا في الشتات لم يعيشوا هذه التجربة الإريترية الفريدة، وبالتالي يحمل بعضهم تصورات أحادية ضيقة تخالف شمولية القيم الإريترية واتساع آفاقها. أثناء وجودي في أوروبا، فوجئت فتاة إريترية مسيحية حين علمت أنني لا أشرب الخمر ولا أحضر مجالسها، فقالت لي على الفور: "إنك بهذه الطريقة لن تستطيع العيش في إريتريا"! إن ردة فعل هذه الفتاة تعبر عن إشكالية عدم معايشة الواقع الإريتري المتسامح والمتعدد الثقافات؛ لقد كانت جارتنا الكريمة "أدى هنا" تعلم تمام العلم أن أسرتي الممتدة وأسلافي الذين لديهم جذور عميقة في إريتريا لا يشربون الخمر ولا يحضرون مجالسها، ولم يكن ذلك مفاجأة لها، ولم يخطر ببالها أننا متطرفون أو غرباء على الواقع الإريتري. شخص آخر قضى معظم وقته في بلد عربي، ولم يعايش الواقع الإريتري، جلس ذات مرة يسفّه مجموعة من شباب الجبرتة الناطقين باللغة التغرينية، ويقول لهم إن التغرينية لغة دخيلة على إريتريا، جاءت مع الغزاة من تيغراي، وعليهم أن يتحدثوا باللغة العربية فقط. وهذا نموذج آخر على تصور قاصر نشأ من عدم معايشة الواقع الإريتري والجهل بتاريخه ومكوناته.
وهنا أقول لكل دعاة الطائفية والإقصائية الذين يرون إريتريا حكراً على المسلمين أو المسيحيين فقط، ولكل من يروّج لتجاربه القاصرة المستوحاة من واقع الشتات المبتوت عن أصله، ولكل من يقرأ التاريخ بشكل انتقائي يتناسب مع مفاهيم طائفية مسبقة، ولكل الذين يُحمِّلون طوائف بأكملها جريرة بعض عناصرها المفسدة، ولكل من يسعى لتوسيع الفجوات وخلق الروح العدائية من خلال ترويج فصامية "هم" و"نحن"، ولكل أولئك الذين يربطون الالتزام الديني بالتعصب ضد الآخر، ولكل من يعتبر التنوع والتعدد مشكلة، أقول لهم جميعًا إن إريتريا التي تتحدثون عنها ليست إريتريا العريقة بماضيها وقيمها الأصيلة. هي بالتأكيد ليست إريتريا التي عاشت فيها "أدى هنا"، ولا إريتريا صديقي المسيحي "ميكائيل"، ولا إريتريا أسلافي وعشيرتي، ولا إريتريا عامة الإريتريين بمختلف مشاربهم. إن شوارع أسمرة وأسواقها، وفقراءها المتسولون فيها، والمزارعين في حقول "شعب"، والصيادين في شواطئ "دانكاليا"، والرعاة في سهول "زولا"، والشيوخ في أندية القرى، وربات البيوت في أكواخهن العتيقة في جبال "تسعازقا"؛ هؤلاء جميعًا يحكون قصة تعايش وتآلف أصيلة، تغاير ما يروّج له البعض في "اليوتيوب" أو على صفحات "الفيس بوك" أو ما يُنظِّر له البعض من نخب!
في المؤتمر الخامس عشر للجمعية الإسلامية الإريترية في أمريكا، الذي انعقد في مدينة "لوس أنجلوس" في شهر يوليو عام 2017، ألقى الباحث في التاريخ الإريتري الدكتور "جوزف فانوسا" كلمة قال فيها إن المجتمع الإريتري يمتلك قيم تعايش وتسامح تفتقر إليها كثير من المجتمعات، وحري بالإريتريين أن ينقلوا هذه القيم إلى بقية المجتمعات والبيئات. وهذه دعوة للعقلاء من أبناء المجتمع الإريتري – بكل أطيافه في الداخل والخارج – للمحافظة على هذه القيم، والأخذ بيد كل من يسعى لطمسها وتقويضها، وتعكير الصف، وتأجيج الصراع!

0 Comments



Leave a Reply.

  • Timeline in history
    • Timeline - Eritrea
    • TIMELINE - MANITOBA
  • Author Resources
    • Articles
    • Author Reflections
  • عربي
    • خواطر المؤلف
    • مقالات
    • محطات تاريخية إريترية