HOME
  • Timeline in history
    • Timeline - Eritrea
    • TIMELINE - MANITOBA
  • Author Resources
    • Articles
    • Author Reflections
  • عربي
    • خواطر المؤلف
    • مقالات
    • محطات تاريخية إريترية

المقالات

!كلمات وداع الشيخ محمد صالح حامد

5/5/2025

0 Comments

 
Picture
بقلم: إسماعيل إبراهيم المختار
في يوم من أيام أسمرة الكبيسة، في أيام الخطف، والقتل، والإرهاب؛ في أيام تحولت فيها أسمرة إلى مدينة أشباح، الفار منها يتنفس الحياة، والباقي فيها  يترقب الموت؛ في تلك الأجواء الكئيبة والمرعبة، كان شيخنا الفاضل الشيخ محمد صالح حامد، وبما عرف عنه من شجاعة وإقدام، يبعث فينا نحن الشباب الأمل فيقول في ثقة المؤمن بربه: أبشروا إنها النهاية، أبشروا إنها النهاية، أبشروا إنها النهاية! ولهذه الكلمات قصة من قصص أسمرة الحزينة، وواقعها المرير


​سقط الإمبراطور هيلى سلاسى في عام 1974، بعد أربع عقود من حكمه الطائفي، فابتهج الناس ابتهاجا كبيرا، وتولى زمام الحكم في إثيوبيا المجلس العسكري المؤقت (الدرق) برئاسة الجنرال "أمان عندوم"، وهو إريتري درس في السودان، وترقى في الجيش الإثيوبي لمراتب عليا. تطلع الناس إلى عهد جديد يسود فيه العدل والسلام، وتتحقق فيه رغبات الشعب الإريتري بالمفاوضات السلمية. وفي خلال هذه الفترة، ظهر انفتاح سياسي لم تشهده إريتريا بعد العصر البريطاني. أصبح الحديث عن السياسة، والحرية، بل والخروج إلى القرى المجاورة لمقابلة مقاتلي حركات التحريرالإريترية، أمرا معتادا لا مسائلة عليه. ولكن هذه الإطلالة البهيجة لم تدم طويلا، فقد حدث انقلاب دموي في داخل المجلس العسكري الحاكم في إثيوبيا، أدى إلى تصفية الجنرال أمان عندوم وغيره، ليتصدر المشهد في نهاية المطاف عسكري مغمور يعرف ب"منجستو هيلى ماريام"، لا يعرف إلا القتل، والتدمير، والسحق.
رجع الخوف مرة أخرى، ولكن بكيفية لم تخطر ببال أحد. كانت البداية اختطافات واغتيالات ذهب ضحيتها الكثيرون، ومنهم مدرسنا في المعهد الإسلامي الأستاذ محمد علي، مدرس الرياضيات، الذي خطف مع آخرين في ليلة عيد الأضحى، ووجدت جثته المشنوقة مع زملائه على قارعة الطريق قبل صلاة عيد الأضحى، لتتحول بهجة العيد إلى حزن وأسى عميق. وجاءت الليلة القاصمة بعد غروب شمس يوم الجمعة لتتحول أسمرة إلى ساحة معركة، تضج فيها أصوات المدافع، والقنابل، والرشاشات في ليلة سالت فيها دماء بريئة، وأزهقت أنفس زكية. تلت هذه الليلة إجراءات قمعية وتداعيات كارثية: حظر التجول ليلا، منع السفر، توقف الباصات الخارجية، ندرة المواد الغذائية، والانقطاع التام للكهرباء... غادر على الفور كل الأجانب في المدينة، وكانوا كثر؛ ومنهم التجار الحضارمة، وأصحاب المحلات الهنود، وأرباب الشركات الإيطاليين، تلاهم بعض سكان أسمرة، وبالأخص الشباب الذين غادروا خلسة مشيا على الأقدام، أو ركوبا على ظهور الدواب.
وظهرت فرق الخطف التي عرفت  باللغة الأمهرية ب"العفان" (ዓፋኝ)، ومليشيات القتل التي عرفت ب "نتش لباش" (ነጭ ለባሽ)، وظلتا تعيثان في أسمرة خطفا، وقتلا، وإرهابا، وتنشران الرعب في أرجاء المدينة، من تصفية على قارعة الطريق، واقتحامات للبيوت في ظلمة الليل البهيم، وسطو على أموال الناس وممتلكاتهم. أصبح دوي الانفجارات، وزخات البنادق، وقعقعة الرصاصات، أمرا مألوفا. الشوارع أصبحت خالية ومخيفة. حياة الناس أصبحت كرا وفرا. يكر الواحد صباحا لينطلق في حاجته، وفي منتصف الطريق يسمع دوي الانفجارات فيفر مختفيا تحت أي سقف يؤويه، ليعاود سيره بعد توقف دوي الأصوات في وتيرة حولت الحياة إلى توجس وخوف دائم. عبرت عن هذه الحالة المأساوية امرأة مسنة كانت تبيع بعض المأكولات، فكانت تفرش بضاعتها في الشارع، فتسمع دوي الرصاص والقنابل فتجمع بضائعها وتفر إلى نحو أقرب دكان، وبعد توقف أصوات الطلقات تعود لتفرش، لتعود بعدها بساعات لجمع بضاعتها والفرار، فقالت في أسى: بئست المعيشة هذه لقد استنزفنا الرعب!
في هذه الأجواء كان لقاؤنا الأخير بالشيخ محمد صالح حامد؛ والشيخ درس في الأزهر، وبعد عودته إلى إريتريا عمل مدرسا في المعهد الإسلامي، ثم مديرا لأكبر مدرسة عربية ابتدائية وثانوية في إريتريا (مدرسة الجالية العربية)، وبالإضافة كان خطيبا في جامع الشيخ عبد القادر الجيلاني، وممن يشار إليهم من أعيان ووجهاء أسمرة. وكانت للشيخ هيئة حسنة، مع طلعة أزهرية بهية، إلا أنه كان يلبس -في الغالب- العمامة بالطاقية على الطريقة المحلية، بدلا من العمامة الأزهرية ذات الطربوش الأحمر. وكان خطيبا مقتدرا تنجذب إليه النفوس، وتتوق إليه الأسماع، ويمتلئ جامعه بمحبيه. ولم يرق ذلك السلطات، وقد كان الشيخ جريئا في خطبه وأحاديثه، فكان موضع مراقبة ومتابعة مخابرات حكومة هيلى سلاسى. وقد اعتقل وعذب عدة مرات، منها اعتقال همجي من وسط الجماهير بعد خطبة ألقاها وصلاة أمها. وقد كتب سماحة مفتي إريتريا رسالة احتجاج إلى حاكم عام إريتريا، ونصها كما يلي:
 
حضرة صاحب السمو حاكم عام أرتريا
الموضوع: الإفراج عن خطيب وإمام جامع المسلمين.
  1. الشيخ محمد صالح حامد محمد كان خطيبا وإماما لجامع عبد القادر الجيلاني بأسمرة.
2.
  1. حرية الدين مكفولة قانونيا، وتحقيقها يحتاج إلى حماية وصيانة القائمين بأمر الدين من الإهانة والتخويف.
لذا أرفع إليكم أسفي واحتجاجي على العمل المذكور، وأرجوا من سموكم عمل اللازم لإطلاق سراحه ليؤدي واجباته كالسابق، حتى لا يفسر الموضوع بأمور تمس سمعة السلطة الساهرة على الحريات والعدالة.
حرر في يوم السبت 4 جمادى الثاني 1387 الموافق 9 سبتمبر 1967 م
مفتي الديار الأرترية إبراهيم المختار أحمد عمر
 
ورغم الإفراج عنه، فإن عين الرقيب ظلت تترصده، والشيخ ماض دون كلل في مسيرته التعليمية والدعوية. كان للشيخ حضور دائم في المحافل العامة، وكان ضمن المرشحين لتولي منصب مفتي إريتريا -بعد وفاة الشيخ إبراهيم المختار-، وكان أيضا ضمن مجموعة من الأعيان الذين تم اختيارهم في أيام الجنرال أمان عندوم للتوسط في إجراء المفاوضات السلمية بين الحكومة وجبهات التحرير الإريترية. وكثيرا ما كان يظهر الشيخ بصحبة زميله الأستاذ الشاعر عبد القادر إبراهيم، خريج دار العلوم المصرية، والأستاذ في مدرسة الجالية، وعلى محياهما بهاء العلم ونسائم الخير؛ وكشباب يتطلع إلى الأسوة كنا نتوسم فيهم القدوة والنموذج. وفي أيام الرعب في أسمرة  غادر كثير من طلبة مدرسة الجالية وذويهم -وكان أغلبهم حضارم-، وهاجر كثير من مدرسي الجالية إلى السودان، وبقي الشيخ والخطر محدق به، والعدو يتربص به، والتهديدات تتابعه. وقد جرت محاولة لاغتياله بوضع قنبلة متفجرة في مدخل بيته، سلم منها وابنته التي كانت بصحبته، وتضرر جزء من الحائط المحيط ببيته. وقد اضطر الشيخ إثر هذه الحادثة للاختفاء بعيدا عن بيته، وإرسال أسرته إلى مكان آخر، ريثما تهدأ الأمور. وقد أشار بعض الحادبين على الشيخ بمغادرة البلاد، لشعورهم بأن النظام كان يتحين الفرصة للقضاء عليه.
 
وفي يوم من الأيام ساقتنا الأقدار إلى لقاء تصادفي مع الشيخ ليكون دون أن نعلم لقاء وداع وفراق. كان ذلك قبل العصر حيث كنا مجموعة من الشباب نجول بالقرب من جامع الخلفاء الراشدين في وسط العاصمة، وفجأة سمعنا دوي الرصاص والقنابل، فتدافعنا للاحتماء بالمكتبة الإسلامية العامة المتصلة بالجامع، وتدافع معنا آخرون ممن كانوا بالجوار، وتم إغلاق باب المكتبة فورا، واجتمع الكل في غرف داخلية مظلمة بعيدا عن الباب، وهناك وجدنا الشيخ محمد صالح في صحبتنا. الكل كان صامتا يعتوره الخوف والرعب، والشيخ كان هادئا مطمئنا يبث فينا الأمل ويقول بصوته الرخيم: أبشروا إنها النهاية، وظل يرددها ويدعوا حتى بدأ هدير الرصاص يختفي. غادرنا المكتبة واتجه الشيخ نحو سيارته، وما هي إلا أيام حتى سمعنا عن اختطافه. حدثني صهره الفاضل الأستاذ محمد سراج أنه كان بصحبة الشيخ يوم اختطافه، حيث تتبعتهم قوة استخبارية بعد نزولهم من السيارة، فقبضوا على الشيخ وساروا به على الفور نحو السجن. يقول بحثنا عنه أياما حتى علمنا بمكان وجوده في السجن بمساعدة شخصية بارزة؛ أذنوا لنا بإدخال الطعام والملابس إليه، ثم انقطعت أخباره لنجده في المستشفى تحت الحراسة. سمحوا لنا برؤيته، وكانوا قد عذبوه تعذيبا شديدا أدى إلى إصابات، وكان يسأل عني لاعتقاده بأنهم اعتقلوني، فلما رآني سالما سري عنه، وظهر البشر على وجهه. لم يمهلوا الشيخ طويلا حتى اقتادوه للسجن مرة أخرى، لينقطع بذلك خبره تماما. يقول صهره، أخبرنا بعض من كان في السجن مع الشيخ أن زبانية السجن اقتادوه، بعد عودته من المستشفى، في ظلمة الليل إلى جهة مجهولة، ويقول بأن هذا كان ديدنهم لكل من أرادوا تصفيته. ويذكر الأستاذ محمد سراج أن الشيخ حدثه سابقا أنه كان كثيرا ما كان يردد في زنازين التعذيب الدعاء المأثور: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، فيجد في ذلك التخفيف والسكون.
 
لم يعثر للشيخ إلى يومنا هذا أثر حسي، وما ضره ذلك فإن أثره لا يزال باقيا في منبره الذي علا فيه صوته، والآلاف من جمهوره الذين أفعموا بمواعظه، والطلبة الذين درسوا على يده، وتخرجوا من مدرسته. رحل الشيخ دون أن يرى النهاية التي بشر بها، ولكن رأيناها نحن الشباب الذين بَشرنا بها. جاءت نهاية الطاغية منجستوا، وسجانوه، واستخباراته نهاية مخزية، وانزووا ولعنات الثكالى، والأرامل، والأيتام، والأحرار المغيبين، والقرى التي أبادوها تلاحقهم؛ انتهوا، وانتهى تسلط الأباعد على يد السواعد الأبية، والأصوات الحرة التي تحملت العنت من أجل حرية وكرامة شعبها. رحل الشيخ ليلحق بركب الشهداء، والمغيبين من علمائنا وشيوخنا الذين ارتوت الأرض بدمائهم الطاهرة، وشهدت الزنازين أناتهم وابتهالاتهم الصادقة. رحلوا ليلقوا ربهم الرحيم العادل الذي يمهل ولا يهمل، ويملي ولا ينسى. فلتهنأ نفوسهم برضا ربهم، وحسن مقامهم، وجميل أثرهم.
 
يقول الأستاذ المربي عيسى سيد محمد، مدير مدرسة المدرسة الإسلامية الخيرية بأسمرة، عن الشيخ محمد صالح*:
"كان متواضعا وشهما وصادقا مما أكسبه ثقة واحترام وتقدير ومودة جميع فئات الشعب المسلم، وخصوصا الأثرياء، مما سهل عليه جمع مبالغ مالية ومساعدات إنسانية للأسر التي أحرقت قراها والأرامل والأيتام، وأيضا كان يجمع للجبهة مبالغ مالية كبيرة ويرسلها إلى الميدان، وكان يصلح بين القبائل والعشائر وحتى الأسر.. كما اختير بالإجماع نائبا لرئيس اللجنة التي تم اختيارها من قبل جماهير أسمرة للقيام بالصلح بين جبهة التحرير الإريترية وقوات التحرير الشعبية في ضواحي أسمرة، وكللت بالنجاح وتم إيقاف الحرب وكان له دور مشهود في إيقاف الحروب الأهلية."
 
رحل الشيخ الشهيد -نحسبه كذلك- في منتصف الأربعينيات من عمره، وقد ترك ستة من الأطفال أكبرهم -حين اختفائه- في الثالثة عشرة من عمرها، وقد حرمهم الطغاة من حنان الأب العطوف، ورعاية المربي الحادب، ودفء الوالد المحب، تقبل الله الشيخ الشهيد في زمرة الشهداء، وحفظ له ذريته، وجعلهم خير خلف لخير سلف.
_________________
*أنظر: الأستاذ عيسى سيد محمد، ملامح من سيرة الشيخ الشهيد محمد صالح حامد، موقع سماديت كوم، 11 أعسطس 2020
0 Comments



Leave a Reply.

  • Timeline in history
    • Timeline - Eritrea
    • TIMELINE - MANITOBA
  • Author Resources
    • Articles
    • Author Reflections
  • عربي
    • خواطر المؤلف
    • مقالات
    • محطات تاريخية إريترية